
قال تعالى: "يوم يفر المرء من اخيه وامه وابيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ
منهم يومئذ شأن يغنيه" (سورة عبس)
نحاول من خلال هذه
المقالة الخوض في تأثيرات فيروس الكورونا على التونسي وملاحظات تداعياتها على اليومي المعاش ،ومناط
بحثنا يدورعلى خمس مستويات:
-المستوى المجتمعي
-المستوى الديني والثقافي
-المستوى السياسي
-المستوى الاقتصادي
-المستوى المعرفي
1المستوى المجتمعي
-المستوى الديني والثقافي
-المستوى السياسي
-المستوى الاقتصادي
-المستوى المعرفي
1المستوى المجتمعي
ان المجتمع التونسي
مجتمع مختلط أو خليط أجناس وأعراق مختلفة حيث تبين آخر الدراسات الجينية للشعوب أن
أصول التونسيين تنقسم إلى :
-العنصر البربري: 53 في المائة ينحدر أغلبهم من المغرب الأقصى
-العنصر البربري: 53 في المائة ينحدر أغلبهم من المغرب الأقصى
-العنصر العربي : 13,8
في المائة
-العنصر الأوروبي :
25,2 في المائة وتنقسم إلى: الفرع الروماني : 12,9 في المائة و الفرع التركي: 12 في المائة والفرع الاسباني :0,3
-العنصر الزنجي:7,6 في
المائة ومنحدرون أساسا من افريقيا الغربية[1]
بقية العناصر الصغيرة
جدا والتي لا تبلغ 0,4 في المائة مجتمعة في ما بينها أهمها الفينيقيون (لبنان)
ما نستنتجه من هذه
الإحصائيات التي ظهرت سنة 2016 تفوق
العنصر الاوروبي بفروعه المتنوعة من أتراك ورومان (إيطاليا)و اسبان
(مورسكيون) على العنصر العربي ما يساهم في
مزيد فهم العقل التونسي و رغباته و سلوكاته وانفعالاته النفسية
وإن تتعرض هده الإحصائيات إلى كثير من النقد باعتبار أن الشعب التونسي منفتح
انفتاحا كاملا على بقية الشعوب مع اختلاط تلك العناصر في ما بينها من خلال الزيجات
والمصاهرة هذا بالإضافة إلى عراقة الحضارة التونسية التي تبلغ من القدم أكثر من
3000 سنة ، إلا أنها تبدو منطقية من زاوية نظر جينية وعلم الوراثة
كل تلك المكونات استطاعت توثيق ارتباطها عبر تقاليد وعادات مشتركة بينها لكنها في الحقيقة ورغم تطور الزمن لم تستطع توحيد انتمائها إلى مشترك واحد رغم محاولة المشترك الديني في تقريب تلك الروابط ظاهريا فالإسلام هو دين غالبية الشعب التونسي والمعبر عن هويته .
لكن يظهر التباعد من خلال ما قامت به الأزمات المتلاحقة من تعرية المخفي في العلاقات الاجتماعية، فسطوة الأنوية و الذاتية مقابل اندثار التكافل الاجتماعي والتضامن دليل على انتماء التونسي الضيق الى "عروشيته" أو "منطقته."
ما يثري هذه الرؤية أن التونسي لا يستطيع أن يحدد انتماءه الحقيقي هل: هو
البعد العربي أم الافريقي أم المغاربي
وفي حقيقة الأمر كثيرا ما يتناسى البعد المتوسطي الذي ينتمي إليه ويؤثر في
سلوكه وأفعاله
الكثير من قراء هذه الأسطر يرى أنه لا يمكننا تبني هذه الفكرة باعتبار أن تونس
ليست بلدا طائفيا أو متعدد المشارب الدينية والعرقية وما اشتهر على أن الشعب التونسي بأنه شعب متجانس
و"التونسي للتونسي رحمة" لكنه قد يغفل عن بعض الصراعات العروشية التي
حدثت في عهد ليس بالبعيد، وقد يتغافل عما اشتهر بين الجهات في ما بينها من نظرات
حقد وكره وتعالي و ازدراء وما يستبطنه البعض من نظرات دونية إلى جهات معينة.
هذه الخصوصية الجينية ورواسب الاستعمار وسمات الشخصية المتوسطية تجعل بعض التصرفات
عند التونسي سلوكات سسيوباتية، يقول عبد الرحمان العيسوي في كتابه "سيكولوجية
الجسم والنفس" : "وفي الغالب ما يتقمص الشخص السيوباتي نماذج إجرامية أو نماذج من محبي المغامرة وممارسة
الدعارة"[2]
نستطيع أن نكتشف هذا الجانب البسيكوباتي من خلال متابعات التونسي لأفلام
الجريمة وتقبله بشغف للسيناريوهات المليئة بالقتل والسرقة والانحراف بل تعاطفه
المعلن مع بعض الشخصيات التي تمثل الفساد والأخلاق الدنيئة وكأنه يستبطن في داخله
شخصيته السيوباتية المشابهة لتلك الشخصية السينمائية والتي لا يقدر على أن يتماهى
مع أفعالها في الواقع خوفا من القانون أو تفوق الوازع الديني الروحي أحيانا.
ومن أهم المعايير التي تؤكد على نوعية هذه الشخصية :
-عدم الإخلاص أو الولاء أو الوفاء أو العرفان
-غياب القلق أو غير ذلك من الأعراض
العصبية
-إهمال الواجبات والالتزامات وعدم شعور المسؤولية
هذه المعايير عند تطبيقها ومقارنتها بسلوك التونسي في تعامله مع فيروس
الكورونا الذي استحال من وباء محير للبشرية إلى آلة كشف الحقيقة :
-يتلخص المعيار الأول في فقدان الولاء والعرفان للوطن بتعمد بعض العائدين من
مناطق موبوءة في عدم الالتزام بالحجر الصحي بل كان لهم الدور الاكبر في نقل
الفيروس لعائلاتهم
-المعيار الثاني نستشعره حقيقة بالنظر في الأريحية التي تقبل بها التونسي
للأخبار الواردة حول تفشي الوباء في مناطق عديدة من العالم بل حتى في ظهور أول
حالة في تونس قابلها التونسي بأشكال مختلفة من السخرية والتهكم
-المعيار الثالث يتلخص في سلوك التونسي المرتبط بالشراء حيث يعمد إلى شراء ما
يفوق طاقته وحاجياته دون الاهتمام بالآخر
ما نلاحظه مما سبق أن سلوكات الكثير من التونسيين :
- تتماهى مع سلوكات عديد الشعوب الاخرى (خاصة الإيطاليون والفرنسيون و الاسبان) دليل على تاثير الجينات الأروبية في التونسي وتغلب البعد المتوسطي على نفسيته
- غياب التكافل الاجتماعي الحقيقي يعود للشخصية السيوباتية
- تؤكد على فقدان الشعور بالذنب وروح المسؤولية
- تبرز الفشل في وضع خطط للحياة أو المعيشة بطرق منظمة
- تتماهى مع سلوكات عديد الشعوب الاخرى (خاصة الإيطاليون والفرنسيون و الاسبان) دليل على تاثير الجينات الأروبية في التونسي وتغلب البعد المتوسطي على نفسيته
- غياب التكافل الاجتماعي الحقيقي يعود للشخصية السيوباتية
- تؤكد على فقدان الشعور بالذنب وروح المسؤولية
- تبرز الفشل في وضع خطط للحياة أو المعيشة بطرق منظمة
هذه القراءة لا يمكن اعتبارها قراءة سوداوية لواقع التونسي بقدر ما هي فهم لسلوك ملاحظ وقت الأزمات ينبغي على المجموعة بمؤسساتها وأفرادها أن تقوم بنشر القيم الأخلاقية الراقية عبر اللغة و الإعلام والتربية و الدين
إذا السؤال المطروح أي دور للبعد الديني والثقافي ؟
2.المستوى الديني والثقافي:
الدين الإسلامي هو دين غالبية الشعب التونسي، هذا المعطى المهم يجعله مرتبطا
ببعده العربي الإسلامي لمواجهة أمراضه المجتمعية وانحرافاته.
في واقع الأزمات يظهر الدين عند التونسي كرقم ثانوي أمام مجموع الأرقام الاخرى
المتعلقة بالبقاء والمال وغير ذلك، فتعامل التونسي الصوري مع الدين أفرزته تلك
النقاشات حول تعطيل الصلوات توقيا من انتشار الكورونا في المساجد وبين المصلين،
لتنقسم الآراء إلى طائفيتين: الاولى مستنكرة للتعطيل وذلك لعدم قدرتها على ترجمة
تعاليم الدين الحقيقي وارتباطها بالشكلي دون فهم مقاصده والثانية غير مستشعرة لعظمة
الأمر على من تعلق قلبه بالمساجد.
محنة الكورونا نقطة تحول في المعرفة الدينية لدى كثير من التونسيين أجبرت
الكثير للنزول من ابراجهم العالية ونظرتهم الفوقية باعتبارهم أكثر التزاما من غيرهم حسب ظنهم لتبين
ارتباطهم الشكلي بالدين وعدم قدرتهم على
التعامل مع النوازل والأحداث المفصلية التي تستجد على الأمة من حين لآخر.
محنة الكورونا لم تفصل بين المصلي الأقل التزاما والمصلي صاحب العلم الديني فالجميع
لا يمكنهم الدخول للمسجد بقرار حكومي معلل برأي شرعي ومدعم بفتاوى ولم يبقى من
رواده إلى من اصطفاهم الله لخدمة بيته من مؤدنين وقائمين بشؤونه وأئمة.
محنة الكورونا تذكرنا بغلق أبواب التوبة أمام الإنسان عند اقتراب نهايته فكانت
كالقيامة الصغرى تذكر من لا يتدبر بأن حلول الأرض لا يمكن أن تكون مجدية في كل
الاوقات، فالإنسان تمر عليه في أوقات كثيرة من المصاعب ما يفترض أن تقربه من ربه،
والحقيقة أن هذه الفرصة مهمة ليحاول المسلم الحقيقي معرفة ذاته ومعرفة الله والبحث
عن الطرق الموصلة الى ربه والبلوغ في المعارف الربانية ومناجاة سيد الأسياد، لا
البحث في تلك المسائل الفقهية الفرعية المختلف في استنباطاتها.
محنة الكورونا يفترض أن تجعل من المسلم الحق كثير الدعاء ومتذوقا للحظات
العزلة والخلوة مع الله متشوقا للعودة إلى المساجد.
محنة الكورونا مثل القيامة الصغرى تبين لنا أن بناء المجتمعات تنطلق ببناء
الفرد اولا، المساجد التي أغلقت في مختلف أنحاء العالم ستفتح متى كان المسلم قادرا
على التغيير الذاتي والتغلب على أنانيته وحبه المفرط لذاته ووعيه بأن الله هو فاطر
السموات والأرض وأنه لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز.
محنة الكورونا تندثر باكتشاف دواء مقاوم للفيروس يكتشفه رجال غربيون في
مختبرات غربية لكن لابد أن يندثر في الآن نفسه الوصاية على الدين ومعالجة المفاهيم
المغلوطة و الغرور عند كثير من رجال الدين.
اليوم، المسلم في حاجة إلى الدين الاصلي، دين محمد صلى الله عليه وسلم، والذي
منبعه الله عز وجل، لا دين الشكل، لا الدين المفرغ من كل القيم الروحية والذي
منبعه النفس البشرية وأهوائها.
حتى المثقف التونسي استقال من دوره الأساسي في توعية الشعب ليقف عاجزا أمام
دروس الكورونا الكبرى ليحاول الخروج من الأزمة بأقل الاضرار فهي معركة علمية أساسا
تفترض وجود الأطباء وقطاع الصحة في مقدمة المواجهة لنتساءل عن مصير الكتابات
النقدية والأدبية والفلسفية والفنون.
المثقف المستقيل هو ذلك المثقف الذي يبحث عن أخطاء الإملاء والإعراب في
المصنفات و المقالات ليبرز أن معارفه الدقيقة بانماط الكتابة و المناهج
والأكاديميات تفوق وعيه بمشاغل مجتمعه و متطلباته.
ساهم المثقف في غياب الفكرة أمام الشرط الأكاديمي، كما ساهم في غياب الـتأمل
والتفكر أمام المنهج الاكاديمي.
لم يستطع المثقف أن يواسي شعبه في أخطر الأزمات المعاصرة
لم نرى قدرة المثقف على التقاط الفرصة ليخرج كقائد للمجتمع يغرس قيم التضامن و
يدعو إلى التكاتف والتلاحم والتآزر.
عادة، تظهر أبرز الاعمال الفنية في أوقات الشدة، وتنبض من رحم المعاناة أرقى
أساليب التعبير الفنية ولا أشد على جموع الخائفين اليوم من الهلاك فأين هي الإنتاجات
الثقافية المؤسسة للمستقبل؟
يتأكد لنا من خلال محنة الكورونا أنه من الضروري :
-أن نبني ثقافة جديدة بمثقفين جدد، شغلهم النهوض بمجتمعهم لا بيع كتبهم وعد
إصداراتهم
(يتبع)
[1] انظر مقال "هـذه الأصـول الجيـنـيـة للشـعـب
التـونـسـي،" http://www.jomhouria.com/art48985_%D9%87%D9%80%D8%B0%D9%87
هل التونسيون ينحدرون من أصول أوروبية !وا
[2] عد الرحمن العيسوي: سيكولوجية الجسم والنفس،
دار الراتب الجامعية، ط1997، ص212
ممتاز يعطيك الصحة أبدعت
ردحذف